بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته :
أوّل من قال الشعر
إنّ أوّل من قال الشعر هو صفوة الله ونبيّه آدم أبو البشر (عليه السلام) .
ففي عيون أخبار الرضا والاحتجاجات وعلل الشرائع والبحار[1] بسندهم : سأل الشامي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أوّل من قال الشعر ؟ قال (عليه السلام) : آدم ، فقال : وما كان شعره ؟ قال : لمّا اُنزل إلى الأرض من السماء فرأى تربتها وسعتها وهواها وقتل قابيل هابيل فقال آدم (عليه السلام) :
تغيّرت البلاد ومن عليها *** فوجه الأرض مغبّر قبيح
تغيّر كلّ ذي لون وطعم *** وقل بشاشة الوجه المنيح
أرى طول الحياة عليّ غمّاً *** وما أنا من حياتي مستريح
وما لي لا أجود بسكبِ دمع *** وهابيل تضمّنه الضريح
قتل قابيل هابيل أخاه *** فوا حزناً لقد فقد المليح
وزاد المسعودي في مروج الذهب في شعر آدم بعد قوله : وقل بشاشة الوجه الصبيح :
وبدل أهلها أثلا وخمطاً *** بجنّات من الفردوس قيح
وجاورنا عدوّاً ليس ينسى *** لعين ما يموت فنستريح
ويقتل قابيل هابيل ظلماً *** فوا أسفاً على الوجه المليح
فما لي لا أجود بسكب دمعي *** وهابيل تضمّنه الضريح
أرى طول الحياة عليَّ غمّاً *** وما أنا من حياتي مستريح
فأجابه إبليس لعنه الله :
تنحّ عن البلاد وساكنيها *** فبي بالخلد ضاق بك الفسيحُ
وكنت بها وزوجك في قرار *** وقلبك من أذى الدنيا مريحُ
فلم تفنكّ من كيدي ومكري *** إلى أن فاتك الثمن الربيحُ
فلولا رحمة الجبّار أضحت *** بكفّك من حنان الخلد ريحُ
لمّا قرأت هذا الخبر الشريف ـ لو ثبت سنده ـ خطر على بالي :
أوّلا : إنّ للشعر أصالته ، ومكانته الرفيعة ترجع إلى بدء الهبوط على الأرض .
ثانياً : أنّ بدايته من معدن النبوّة .
ثالثاً : إنّ الحقّ والباطل في صراع دائم ، من اليوم الأوّل . ويتمثّل الحقّ بمعسكر آدم (عليه السلام) ، كما يتمثّل الباطل بمعسكر الشيطان لعنه الله .
رابعاً : إنّ البشريّة على صنفين : صنف مع الحقّ وفي طريق الحقّ ، وصنف مع الباطل وقد استحوذ الشيطان عليه .
خامساً : إنّ الشعر منه ما هو الحقّ ، ينطق به روح القدس فينشده آدم ، ومنه الباطل ينشده إبليس اللعين ، فالشعراء منهم من يتبعهم الغاوون ، يقولون ما لا يفعلون ، وإنّهم قوم لا يشعرون ، ومنهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ونصروا الحقّ ، ودافعوا عن المكارم والفضائل ، ثمّ لا يخفى أنّ أكثر الناس للحقّ كارهون ، وأ نّهم لا يفقهون ، ينعقون مع كلّ ناعق ، ويميلون مع كلّ ريح ، وقليل من عباد الله الشكور الذين خلصوا وأخلصوا ، وليس للشيطان عليهم سلطاناً .
هذا وقد ذكر ابن حجر من علماء أبناء العامّة في كتابه ( لسان الميزان 1 : 299 ) عن ابن عباس قال : من قال : إنّ آدم قال شعراً كذب على الله ورسوله ، ورمى آدم بالمآثم ثمّ إنّ محمّداً والأنبياء كلّهم في النهي عن الشعر ، لكن لمّا قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سرياني ، وإنّما يقول الشعر من يتكلّم بالعربية فقال : لست أحفظ هذا الكلام ليوارث الناس عليه ، فلم يزل ينقل إلى أن وصل إلى يعرب ابن قحطان ، وكان يتكلّم بالعربية والسريانية ، وكان يقول الشعر فنظر في المرثيّة فإذا هو سجع ، فقال : إنّ هذا يقوم شعراً ، فردّ المقدّم إلى المؤخّر فوزنه شعراً فخرج منه الأبيات وهي ثمانية .
أقول : لا منافاة بين السريانية وأن يكون من الشعر ، فلكلّ قوم لغتهم وآدابهم وثقافتهم وأشعارهم . ثمّ لغة أهل الجنّة لغة القرآن الكريم أي اللغة العربية ، وآدم جديد العهد بالجنّة ، فالمتبادر أنّ لغته كانت العربية وليست السريانية التي هي من لغة اليهود ، كما أنّ الأنبياء باعتبار نبوّتهم العامّة يعرفون اللغات جميعاً ، فلا مانع أن يعرف آدم اللغة العربية بعد تحقّق المقتضي ، فيكون الشعر لآدم (عليه السلام) .
تحياتي