Admin Admin
عدد الرسائل : 134 تاريخ التسجيل : 21/06/2008
| موضوع: فلسفة غيبة المهدي على لسان الشيخ مكارم الشيرازي الجمعة يوليو 25, 2008 11:14 am | |
| السؤال : نعلم أن الامام المهدي – الحجة بن الحسن العسكري – (عج) غاب عن الأنظار عام 260 هجري , وقد مضى على غيبته أكثر من ألف عام , نريد أن نعرف ما هي فلسفة هذه الغيبة الطويلة ؟ الجواب : ينبغي الالتفات – أولاً – الى أن غيبة الامام عن أعيننا لا تعني أنه يعيش في عالم آخر يغاير هذا العالم , ولا أن وجوده الجسمي تحول الى وجود غير مرئي على غرار أمواج الأثير , بل تعني غيبة الامام (عج) أنه يعيش وسط الناس , وهم لا يعرفونه , فهو يتمتع بحياة طبيعية . لكن ما هي فلسفة هذه الغيبة الطويلة ؟ ينبغي الاجابة عن هذا السؤال بما يلي : إن استراتيجية الامام المهدي (عج) تختلف تماماً عن استراتيجية الأنبياء والأئمة كافة ؛ وذلك لأن استرتيجيته غير قائمة على التقنين , بل هي استرتيجية تنفيذية – بكل ما للكلمة من معنى – في العالم بأسره , بمعنى أنه مكلف بتطبيق جميع مبادئ وتعاليم الاسلام في ربوع العالم , ونشر وبسط مبادئ العدل والقسط والحق بين كافة أفراد البشر . صحيح أن الأنبياء والأئمة – أيضاً – أنجزوا شطراً من هذه الاستراتيجية , لكن نتيجة لعدم وجود الاستعداد الكافي لدى غالبية البشر , لم يتخذ هذا الموضوع أبعاداً عالمية ذات طابع شمولي ؛ فيتوقف بعد تغلغله في شعاع محدد من المجتمعات الانسانية . من الواضح أن تطبيق كذا استراتيجية ثورية عالمية , تؤسس لنشر وترسيخ مبادئ العدالة والحق بين الناس في كافة بقاع العالم , تتطلب توفير مقدمات لا يتسنى لها الظهور الى حيز الواقع إلا بمرور الزمن وتكامل المجتمع من جميع النواحي , ونشير فيما يلي الى جملة من هذه المقدمات : 1- الاستعداد النفسي : يجب – أول وهلة – أن تتعطش شعوب العالم وتتهيأ لتنفيذ هذه المبادئ , وطالما لم يتم الطلب من قبل شعوب العالم فان عرض أي نوع من الاستراتيجيات والبرامج المادية والمعنوية لن يكون مجدياً ومؤثراً ؛ حيث لا يسود قانون العرض والطلب في نظام الحياة الاقتصادية فقط , فلا تكون هناك قيمة لعرض البضاعة ما لم يكن لها طلب من الناس , بل إن عين هذا النظام سائد – أيضاً- في عرض البرامج المعنوية والأصول الأخلاقية والمدارس السياسية والثورية , فطالما لم يحصل طلب لهذه الأمور من أعماق قلوب الناس سيؤول عرضها الى الفشل . بدهي أن مرور الزمن , وخيبة القوانين المادية , ونشوء المآزق الدولية , وجرّ البشرية الى أعتاب هاوية الحرب , سيعيي الشعوب العالمية , ويوقفهم على حقيقة أن أصول القوانين المادية , وما يسمى بالمنظمات الدولية , لن تجدي نفعاً في حل مشاكل الحياة واشاعة العدل في العالم ؛ بل إن هذا الاعياء والقنوط سيهيأ شعوب العالم لتقبل ثورة جذرية , ونحن نعلم أن هذا الموضوع بحاجة الى مزيد من الوقت لكي تثبت تجارب الحياة المريرة أن تمام الأنظمة المادية والمنظمات الانسانية عاجزة عن تنفيذ مبادئ العدالة , وإحقاق الحق , وتعزيز الأمن والاستقرار ؛ وفي نهاية المطاف , ونتيجة لليأس والقنوط يتولد هذا الطلب لدى البشر بغية تحقق تلك الأهداف الالهية , وتتهيأ الأرضية – تماماً- لعرض ثورة عالمية على يد رجل إلهي وسماوي ([1]). 2- تكامل العلوم والثقافات الانسانية : من جهة أخرى , ثمة حاجة ملحة لتطور العلوم والثقافات الاجتماعية والشعبية في سبيل تشييد حكومة عالمية قائمة على أساس العدل والقسط , ولا يتسنى ذلك بدون التقدم الفكري ومرور الزمن . وبعبارة أخرى : يتعذر إقامة حكومة عالمية في شتى أرجاء المعمورة , يحكمها العدل والقانون , ويتمتع فيها جميع البشر بكافة المزايا الفردية والاجتماعية للاسلام , مع الافتقار الى ثقافة متطورة في عموم الشؤون البشرية , ولا يتحقق ذلك بدون وجود ثقافة متكاملة ؛ وهذا – أيضاً – يحتاج الى مرور الزمن . 3- تكامل وسائل الاعلام العامة : من جهة ثالثة , تحتاج حكومة كهذه الى وجود وسائل الاعلام العامة ؛ كي تستطيع من خلال ذلك إبلاغ القوانين والأحكام والمبادئ الانسانية الى الناس بشتى الطرق وفي مدة وجيزة , ولا يتحقق هذا الموضوع – كذلك – بلا تكامل الصناعات الانسانية ومرور الزمن . 4- تنشئة القوى الانسانية : بغض النظر عن كل ذلك , يتطلب تحقيق هدف كهذا , وبناء ثورة كهذه إيجاد طاقة بشرية فعالة وبناءة , يتشكل منها جيش ثورة عالمية , ولا يتأتى إيجاد هكذا أفراد يضحون بكل ما لديهم في سبيل الهدف والحقيقة إلا بمرور الزمن . اذا قرأنا في بعض الروايات أن فلسفة طول غيبة الامام هي امتحان واختبار الناس , فربما تكون تلك الروايات ناظرة الى هذه النقطة ؛ لأن الامتحان والاختبار من وجهة نظر الاسلام لا يعنيان الامتحانات العادية وكشف ما هو مكتوم , بل المراد منها تنشئة نفسيات طاهرة وبلورة الحد الأقصى من الاختبار والتدرب لدى الأفراد ([2]). إن مجموع هذه الأمور الأربعة ([3]) يتطلب مضي زمن كبير ؛ ليتقدم العالم على كافة الصعد والمستويات , ويتولد الاستعداد النفسي والفكري لدى البشر لتقبل حكومة عالمية ترتكز على أساس الحق والعدل ؛ حينئذ يمكن تطبيق استراتيجية الامام المهدي (عج) على العالم برمته بوسائل وامكانيات خاصة 000 هذه فلسفة الغيبة الطويلة للامام . لكن – مع كل ذلك – لماذا يظل الامام مجهولاً ويعيش بشكل غامض , في حين يمكنه الظهور بين الناس حتى وقت تحقق الوعد الالهي بقيامه بالثورة العالمية ؟ وللاجابة عن هذا السؤال نقول : يعيش الامام على شاكلة بقية البشر وفقاً للسنن الانسانية الطبيعية , بيد أنه يتمتع بطول العمر ؛ ولو عُرف لما اُمن عليه من سوء القوى الشيطانية المتواجدة في كل عصر ومصر , ولقامت بتصفيته والفتك به , كما يثبت لنا التاريخ صحة هذا الموضوع بشأن جميع الأئمة السالفين ؛ ولئن أفل كوكب عمر إمام من الأئمة الماضين على يد الشياطين حل محله إمام آخر , بينما يتفاوت الموضوع حول الامام المهدي (عج) ؛ لأنه آخر الحجج , وينبغي تنفيذ الاستراتيجية الالهية على يديه , وفي هذه الحالة هو مضطر للعيش مختفياً حتى يأذن له الله تعالى بالقيام بثورته الجبارة . إن ما قيل آنفاً يتعلق بفلسفة غيبة الامام (عج) وعيشه مستتراً عن الأعين , أما الفوائد المتوخاة من استتاره خلف حجب الغيبة , ومدى انتفاع المجتمعات الانسانية – الآن – من هذا الوجود المقدس , فهذا ما يشكل موضوعاً منفصلاً , يخرج عن إطار السؤال المذكور , وينبغي أن يعقد له بحث مستقل . (1) إحدى أهم الدلالات على قيام الامام صاحب العصر والزمان (عج) التي أكدت عليها جميع الأحاديث الاسلامية هي امتلاء الأرض بالظلم والفساد , فتخيم -– على أثر ذلك -–سحب اليأس والقنوط على المجتمعات الانسانية ؛ وفي الحقيقة يثقل الظلم والجور كاهل البشر حتى يعدّهم لتقبل ثورة جذرية بعيدة الأغوار على يد المصلح الالهي . (2) حدثت جميع الامتحانات الالهية للأنبياء والأولياء لهذا الغرض , فلئن امتحن الله جل وعلا نبيه ابراهيم (عليه السلام) امتحاناً عسيراً كما قال : » وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ «(البقرة:124) فلأجل هذا الهدف , وليمحص هذا الرجل العظيم في خضم الأحداث كي يثبت صلابته وثباته وجدارته. (3) يمكن تلخيص هذه الأمور الأربعة بما يلي : 1- التكامل النفسي . 2- التكامل الثقافي . 3- تكامل وسائل الاعلام العامة . 4- تشكيل جيش الثورة العالمية من مجتمع مضحٍ. المصدر :الموقع الرسمي لسماحة الشيخ.منقوووووووووووووووووول | |
|